تاريخ تطويل العظام

تاريخ تطويل العظام

 بدأ جراحي العظام محاولات لتطويل العظام في بدايات القرن التاسع عشر، أي ما يقارب اكثر من ١٠٠ سنة لكن اغلبها باءت بالفشل لكثرة المضاعفات. إن أقل ما يمكن أن يقال عن تلك المحاولات انها كانت وحشية كما في الصورة.


طرأ تعديلات على الجهاز في ما بعد من قبل جراحين اوروبيين لكن دون تحسن ملحوظ بالنتائج، حتى اتى ڤاجنر الألماني في السبعينات الميلادية، والذي استطاع ان يخطوا اخيرا خطوة ولو بسيطة للأمام في هذا المجال بجهازه الموضح في الصورة.

على الرغم من التقدم في هذا المجال إلا ان المضاعفات استمرت، وظل عملية تطويل العظام جراحة محفوفة بالمخاطر ويصعب التنبؤ بنجاحها والسبب ان أغلب الجراحين كان تركيزهم على الجهاز وتطويره (الحديد) إلا أن الجراح اليزاروڤ من روسيا كان تركيزه منصب على جسم الإنسان وقابليته هو بذاته في تكوين العظم الجديد اثناء التطويل اذا توفرت للجسم البيئة المناسبة.

لوح فنية في متحف مستشفى اليزاروڤ في كورجان روسيا. فيها دلاله على ان مختلف الجراحين على مر السنين تركيزهم عالاجهزه وتطويرها وعدم احترام انسجة الجسم من لحم وعظم (الصوره الأولى) وان اليزاروڤ كان تركيزه عليك (انت) وما بجسمك وأنسجتك من قدرات ومن ثم الاهتمام بتصميم الجهاز.(الصوره الثانيه) وفي (الصورة الثالثة) كيف اصبح الجراحين من جميع العالم يزورون اليزاروڤ ليتعلموا منه.



من هو اليزاروڤ؟

جاڤريل ابراموڤيتش اليزاروڤ، طبيب عام روسي، هو الأب الروحي في مجال تطويل العظام.  بُعث الى مدينة كورجان في صحراء سيبيريا الروسية اثناء الحرب العالمية الثانية و طُلب منه مداوات وعلاج مصابي الحرب هناك من الجنود الروس بعيدا عن أعين الشعب في العاصمة موسكو والمدن الأخرى الكبيرة.‪ لم يكن لدى اليزاروڤ وسائل كافية لتثبيت الكسور، لذلك استفاد من مصنع دراجات في المدينة واستخدم بعض مكونات العجل ومكونات اخرى بدائية لصناعة جهازه لتثبيت الكسور (عملية التطويل بالطريقة الحديثة لم يبتكرها أو يكتشفها بعد)



من المتعارف عليه في مجال جراحة العظام أن ضغط طرفي عظمة مكسورة ببعضهما البعض يساعد على التئام الكسور (على الرغم من وجود اختلاف حديثا في هذا الشأن و خاصة في كمية ونوع الضغط). لذلك كان اليزاروڤ يستخدم جهازه لتحقيق هذا الضغط عن طريق طلبه من المريض تعديل يومي بالجهاز باتجاه معين. لكن (لحسن الحظ ربما) أحد مرضاه ظل يعمل التعديل في الاتجاه الخطأ فبدلا من عمل ضغط بين الطرفين اصبح الطرفان يتباعدان! ولاحظ اليزاروڤ بالأشعات أن العظم يتكون بين الطرفين المتباعدين! تضاربت الروايات عن مدى صحة هذه القصة فهناك قصص أخرى ذكرت لكن الأكيد شيء من هذا القبيل جعله يبدأ في الابحاث في مجال بيولوجية تطويل العظم وفعلا بدأ بالابحاث على الكلاب "أعزكم الله"  توصل الى بيولوجية تطويل العظم والانسجة ووضع شروط نجاح عملية التطويل. ولدور الكلاب في هذا الاكتشاف وضع تمثال لهم في حرم المستشفى.



لم يجد اليزاروڤ اي اهتمام او تشجيع من قبل المسؤولين في روسيا في بادئ الأمر إلى أن تمكن بواسطة طريقته من علاج بطل اولمبي روسي شهير (ڤاليري بروميل) حيث كان يعاني من تسوس وصديد في عظمة الساق وعدم التئام كسر جراء حادث بالاضافة الى قصر في ذلك الطرف. والجدير بالذكر فشلت عشرات العمليات التقليدية من التمكن من جبر المسر وايقاف الصديد والالتهاب.


بعد ذلك اشتهر وذاع صيته في روسيا خاصة بعد عودة البطل الالومبي الى اللعب والحصول على ميداليات ذهبية من جديد! واخيرا بعد ذلك حصل على برائة الاختراع في روسيا.

ظلت هذه الطريقة في تطويل العظام لا تتعدى الحدود الروسية خاصة لصعوبة وصول الناس للاتحاد السوفياتي انذاك لتعلمها من جهة ولأن اليزاروڤ كان لديه وسواس ثقة من جهة أخرى. حيث كان قلق من أن تسرق هذه الطريقة من قبل الأوروبيين وتنسب لهم دون ذكر اسمه.



اثناء تواجدي في مركز اليزاروف بروسيا



كارلو ماوري.. هو مستكشف و صحفي مصور ايطالي كان يعاني من كسر مشابه للبطل الالومبي الروسي. وفي اثناء احدى رحلاته طلب منه صديقه الروسي زيارة اليزاروڤ لعله يساعده وينقذه من عملية بتر قررها اطباء ايطاليين بعد فشل العديد من العمليات. وبالفعل بعد الحاح من صديقه قرر الذهاب لروسيا وبالفعل تمكن من علاجه تماما. وعند عودته الى ايطاليا انبهر الاطباء في مدينته ليكو من النتائج وقرروا الذهاب لروسيا لتعلم هذه التقنية مهما كلف الثمن.

بعد مجيئهم الى روسيا ومشاهدة ما يفعله اليزاروڤ عن قرب، وثق اليزاروڤ على غير العادة في هؤلاء الأطباء الايطاليين ووافق ان يذهب الى ايطاليا وبالتحديد الى بيلاجيو بالقرب من ليكو لالقاء محاضرة للاوروبيين للتعريف بهذه التقنية. كان من المقرر ان يلقي محاضرة مدتها ١٥ دقيقة لكنها استمرت لأكثر من ساعة لم يستطع المنظمين ايقافه لانبهار الحضور بالحالات التي عرضها ونتائجها المبهرة.


تمكن الايطاليين في الثمانينات الميلادية بقيادة كاتاني وكاتانيو ومايوكي من نقل هذه تقنية الى مستوى اخر واصبح لها شعبية وقبول من قبل الاطباء في اوروبا و امريكا والهند ومصر وغيرها بعد  اجراءهم لتعديلات جعلتها اكثر سهولة للاطباء. وتأسس في ذلك الوقت الاتحاد العالمي لتقنية جهاز اليزاروڤ.



اثناء فترة التدريب في ليكو الايطالية مع الدكتور ماوريزيو كاتاني




وصول هذه التقنية الى امريكا كان متأخرا نوعا ما لصعوبة وصول الأمريكان الى الاتحاد السوفياتي في ذلك الوقت. لكن ما أن وصلت الى اوروبا سرعان ما تبناها الامريكان مثل باقي العالم. وكانت البداية على استحياء على مستوى بضع حالات من قبل الدكتور درور بيلي في كندا ثم البداية الفعلية في بالتيمور في الولايات المتحدة بعد تأسيسه أول مركز لتطويل العظام مع الدكتور جون هيرزنبرج في مستشفى سايناي.

مع الدكتور جون هرزنبرج اثناء فترة التدريب في بالتيمور


استطاع الأمريكان تطوير جهاز اليزاروڤ الى جهاز خارجي مشابه ذكي اسهل حيث احدث نقله نوعية في مجال التطويل. استمروا في التطوير حتى اخترعوا جهاز داخلي للتطويل. كما قام الاوروبيين بتصنيع اجهزة مشابهه قبل ذلك.

مهما اختلفت الأجهزه المستخدمة في التطويل، تظل جميعها مستوحاه من فلسفة واحدة وهي فلسفة اليزاروڤ...